للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تستثمر مواهب الناس وقدراتهم بما فيه خيرهم وسعادتهم، في ظلال الأمن والعدالة والرخاء.

وتعجز العقول كذلك عن إدراك أسرار العبادات ما لا يعرف العقل سره، لأنه غير معقول المعنى، لماذا كانت الصلوات الخمس؟ ولماذا كانت في هذه الأوقات؟ ولماذا تفاوتت في عدد ركعاتها؟ ولماذا كان هذا العدد دون غيره؟ ولماذا كانت بهذه الصورة دون سواها؟

وهكذا الشأن في تحديد الأموال التي تزكى، ونصاب زكاتها، وتحديد الصيام المفروض وكيفيته، وكيفية الحج ومناسكه التي لم تدرك إلا بالشرع، وقلما يفهم لها معنى معقول.

ومعرفة عالم الغيب وما فيه من بعث وحساب وصراط وميزان وجنة ونار، ومعرفة الملائكة ووظائفهم، والرسل وصفاتهم، كل هذا وما يتصل به كيف يستطيع العقل أن يدركه؟ وهو عالم مجهول عنده ما لم يصله خبر صادق عنه.

لهذا ونظائره كان العقل الإنساني قاصرا عاجزا، وكان في حاجة إلى هداية تجنبه المزالق، وترشد قوى إدراكه إلى الصواب، وتطلعه على ما لا قبل له بعلمه.

٥ - وقد امتن الله على عباده ببعثة رسله بيانا للحق وموازينه وإعذارا لهم وإسقاطا لحجتهم: لم يدع الله تعالى الناس لفطرتهم، فإن هذه الفطرة يعرض لها ما يفسد جبلتها، وتغشاها غواشي الحياة المختلفة التي تتجاذبها هنا وهناك فتقع فريسة لها، تتأثر بها وتجنح نحوها، وتنحرف عن جادة الحق، وتحيد عن الصراط المستقيم، وإنما تظل الفطرة سليمة إذا تركت وشأنها دون مؤثرات الحياة وعوارضها ونزوات النفس وشهواتها.

وفي الفطرة مقياس الخير والشر في إحساسها الذي ينبع من داخل النفس ويختلج بين الجوانح، ولكن هذا لا يحول دون الوقوع في الإثم، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «سئل عن البر والإثم فقال: البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس (١)» وجاء هذا الحديث عن الإمام أحمد بأن


(١) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٥٣)، سنن الترمذي الزهد (٢٣٨٩)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٨٢)، سنن الدارمي الرقاق (٢٧٨٩).