رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاب السائل بقوله: «استفت قلبك واستفت نفسك، ثلاث مرات، البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك (١)».
فالنفس السوية تفرق بين الحق والباطل، والخير والشر، فتنشرح للحق والخير، وتجد الريبة والشك في الباطل والشر.
ولم يدع الله تعالى الناس لعقولهم مع ما في طبيعتهم من الاستعداد للخير والاستعداد للشر، فإن العقل البشري يعجز عن إدراك كثير من الأمور، ولا يبرأ من الهوى، ولا يكون حكمه صائبا في كل حال، فهو في حاجة إلى معين يهديه ويحول بينه وبين زلاته وشططه، ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى الرسل يدل على ذلك ما يأتي:
أولا: الدليل الاعتقادي:
يجمع العقلاء في تاريخ البشرية على أن هذا العالم البديع الصنع في كائناته التي لا تحصى ونظامه المحكم الدقيق يدل دلالة قاطعة على وجود مبدع صانع خلقه، وأحكم صنعه، ودبر شئونه على هذه الحال التي تفوق تصور البشر فلم يوجد بمحض الصدفة، كما أنه لم يوجد نفسه، وإنما يختلفون في تسمية هذا الموجد الخالق، ولا يدركون صفاته، ولا ما يجب في حقه.
والدين يقرر أن هذا الموجد الخالق هو الله تعالى. فهو خالق كل شيء ولا سبيل للعقل إلى معرفة صفات الله وما يجب في حقه. وسبيل ذلك هو السمع وحده بالنقل عن الرسول الذي يصطفيه الله لإبلاغ الرسالة، ويؤيده بالمعجزات الدالة على صدقه.
واتفقت كلمة العقلاء مع اختلاف مللهم ونحلهم ومذاهبهم على أن النفس البشرية لا تزول زوالا مطلقا بالموت إلى غير رجعة، وإنما يكون لها نوع من البقاء، واختلفوا في تصويره وفي طرق الاستدلال عليه.
(١) مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٢٨)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٣٣).