للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لهم ما فيه تقويم نفوسهم، وكبح شهواتهم، وتعلمهم من الأعمال ما هو مناط سعادتهم وشقائهم في ذلك الكون المغيب عن مشاعرهم بتفصيله، وإن علموه من داخل نفوسهم في إجماله، ثم يؤيد الله هؤلاء الذين يصطفيهم لإبلاغ تلك الأمانة بما لا تبلغه قوى البشر من الآيات، حتى تقوم بهم الحجة، ويتم الإقناع بصدق الرسالة، فيكونون بذلك رسلا من لدنه إلى خلقه مبشرين ومنذرين، يبشرون من آمن بهم واتبع هديهم بما وعد الله به المؤمنين من خير ومثوبة، وينذرون من كفر بهم وتنكب طريقهم بما توعدهم الله به من شر وعقوبة.

لا ريب أن الذي أحسن كل شيء خلقه، وأبدع في كل كائن صنعه، ووسعت رحمته كل شيء يكون من رحمته بمن خلقه في أحسن تقويم، وهيأ له وسائل الإدراك والمعرفة، أن ينقذه من حيرته، ويخلصه من التخبط والضلال (١).

ثانيا: دليل العدل وموازين الحق:

الإنسان كائن اجتماعي، فهو في حاجة إلى غيره، كما أن غيره في حاجة إليه، ينبئ عن هذا الشعور النفسي، والواقع الاجتماعي.

يشعر كل إنسان من داخل نفسه أنه لا يستطيع أن يعيش في عزلة عن غيره، ينقطع فيها عن الناس، ولا يتصل بأحد منهم، فالعزلة قاتلة له، والوحدة وأد لطبيعته، وإذا عاش فترة قصيرة بعيدا عن الناس منقطعا عن الاتصال بهم أحس بالوحشة، واشتدت مخاوفه، وتبرم من الحياة نفسها كأن الموت يطارده.

وفي طبيعة خلقه ضرورة اجتماعية، فقد وهبه الخالق القدرة على الكلام، وهذه الخاصة وحدها من أقوى الدلائل على حاجته إلى من يتكلم معه، لأن اللسان أداة التفاهم، وبه يكون التعبير عما في النفس، فمع من يتفاهم إذا كان يعيش وحده؟ ولمن يعبر إذا كان في عزلة؟

وواقعه الاجتماعي يحتم عليه الاتصال بالآخرين، فإن مطالبه كثيرة، ومنذ ولادته يكون عاجزا عن الوفاء بضرورات حياته، وليس شأنه كشأن الحيوانات الأخرى التي


(١) انظر "رسالة التوحيد" للشيخ محمد عبده ص: ٩٦ دار المعارف بمصر.