للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعامل ولا يؤاكل إلى أن يخرج منه فيقتص منه، وإن كانت جنايته فيما دون النفس في غير الحرم ثم دخل الحرم، اقتص منه، وقال مالك والشافعي: يقتص منه في الحرم لذلك كله، وقد روي عن ابن عباس وابن عمر وعبيد الله بن عمير وسعيد بن جبير وطاوس والشعبي فيمن قتل ثم لجأ إلى الحرم أنه لا يقتل، قال ابن عباس: ولكنه لا يجالس ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقتل، وإن فعل ذلك في الحرم أقيم عليه الحد، وروى قتادة عن الحسن أنه قال: لا يمنع الحرم من أصاب فيه أو في غيره أن يقام عليه الحد، وكان يقول في قوله: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (١) كان هذا في الجاهلية، لو أن رجلا جر كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يتعرض له حتى يخرج من الحرم، أما الإسلام فلم يزده إلا شدة، من أصاب الحد في غيره، ثم لجأ إليه أقيم عليه الحد (٢).

وإن ساكن البلد الحرام وقاصده يعيش هاتين المزيتين، ويشهدهما واقعا ملموسا، رغد في العيش، واستتباب في الأمن، وتوفر في المطاعم والمشارب، يجبى إليه ثمرات كل شيء، كل هذا يسهل عليه العيش في أجواء روحانية وأيام مباركة بجوار بيت الله العتيق، يرجو رحمة الله ويؤمل مغفرته، يتطلع إلى عمل مبرور وسعي مشكور، قد لاذ بربه، متذللا منكسرا بين يديه، يسأله العفو والصفح عما سلف وكان من الذنوب والعصيان.


(١) سورة آل عمران الآية ٩٧
(٢) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم ٩/ ١٢٤، جامع البيان ٧/ ٣٠ - ٣٣