للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (١) فسماهما شهيدين وأمر باستشهادهما قبل أن يستشهدا، لأنه لا خلاف أن حال الابتداء مرادة بهذا اللفظ، وهو كما في قوله تعالى: {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٢) سورة البقرة آية ٢٣٠، فسماه زوجا قبل حصول الزواج، وإنما يلزم الشاهد إثبات الشهادة ابتداء، ويلزمه إقامتها على طريق الإيجاب إذا لم يوجد من يشهد غيره، وعلى هذا فإن النهي لا يقتصر على نهي الشهود عن الإباء، بل يشمل معها حالة التحمل (٣).

الثالث: لا يأب الشهداء عنهما معا. أي لا يأب الشهداء عن تحمل الشهادة إذا حملوها، ولا يأبوا عن إقامتها إذا تحملوها.

وبه قال الحسن البصري، وهو قول آخر لابن عباس، قال في كشاف القناع: "وتطلق الشهادة على التحمل والأداء لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (٤) وقوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} (٥) الآية.

قال القرطبي في تفسيره: قال ابن عطية: "والآية كما قال الحسن جمعت بين أمرين على جهة الندب، فالمسلمون مندوبون إلى معونة إخوانهم، فإذا كانت الفسحة لكثرة الشهود والأمن من تعطيل الحق فالمدعو مندوب، وله أن يتخلف لأدنى عذر، وإن تخلف لغير عذر فلا إثم عليه ولا ثواب له. وإن كانت الضرورة وخيف تعطل الحق أدنى خوف قوي الندب وقرب من الوجوب، وإذا علم أن الحق يذهب ويتلف بتأخر الشاهد عن الشهادة فواجب عليه القيام بها، لا سيما إن كانت محصلة وكان الدعاء


(١) سورة البقرة الآية ٢٨٢
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٣) أحكام القرآن للجصاص جـ١ ص٥٢٠.
(٤) سورة البقرة الآية ٢٨٢
(٥) سورة البقرة الآية ٢٨٣