للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى أدائها، فإن هذا الظرف آكد، لأنها قلادة في العنق تقتضي الأداء (١).

الترجيح:

الراجح أن الآية الكريمة تحتمل المعنى الثاني، لأن حقيقة الشهداء من اتصفوا بالشهادة، فيكون النهي عن الإباء لمن اتصف بالشهادة حقيقة إذا دعي لأدائها، لأنه لا اتصاف بالشهادة قبل الدعاء لأدائها إلا بتحملها، فيلزم كون النهي عن إباء الأداء، لما فيه من المحافظة على حقيقة اللفظ، والأداء المفروض لا يكون إلا عند الحاكم ففرض الله سبحانه وتعالى على المتحمل أن يذهب إلى الحاكم لأداء ما تحمله من شهادة (٢).

وقد جرت العادة بأن المتعاقدين هما اللذان يحضران للشهود ليحصل التحمل، ولا يلزم الشهود الحضور إليهما، بينما في الأداء يلزم الشهود الحضور إلى القاضي لتأدية شهادتهم مما يجعل النهي عن إباء الأداء هو المراد.

٢ - قوله تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (٣) تفيد الآية الكريمة نهي الشاهد عن إخفاء الشهادة وعدم إظهارها، فيكون أمرا بالإظهار، لأن النهي يستلزم الأمر بالضد الذي لا يتحقق الامتناع إلا به وهو الإظهار، والأمر يفيد الوجوب، وبما أن الوعيد الشديد المقترن بالنهي عن الكتمان لا يكون إلا عند الدعوة إلى الشهادة لإحياء الحق، أو عند الخوف من فوات الحق، لذا كان الأمر مفيدا للوجوب عند هاتين الحالتين.

وقال ابن عباس: (على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد، ويخبر حيثما


(١) تفسير القرطبي جـ٣ ص٣٩٨.
(٢) تفسير ابن كثير جـ١ ص٣٣٥، شرح فتح القدير على الهداية جـ٧ ص٣٦٦.
(٣) سورة البقرة الآية ٢٨٣