فنبشت، وأمر بالعظام أن تغيب، وكان في المربد ماء مستنجل فسيروه حتى ذهب، وأسسوا المسجد.
فهذا أول استملاك للعقار في الإسلام لمنفعة عامة، وفيه كما يقول ابن القيم:"دليل على جواز بيع عقار اليتيم، وإن لك يكن محتاجا إلى بيعه للنفقة، إذا كان في البيع مصلحة للمسلمين عامة كبناء مسجد أو سور أو نحوه، ويؤخذه من ذلك أيضا بيعه إذا عوض عنه بما هو خير له منه".
* * *
وفي أول أيامه صلى الله عليه وسلم في المدينة لم يكن المال متوفرا في بيت المال، وكانت تطرأ حالات يحتاج فيها المسلمون إلى نزع ملكية بعض العقار إما لتوسعة مسجد أو للإرفاق بهم بتوفير الماء، وتأمين مصادره، فكان عليه الصلاة والسلام يرغب ذوي المال والمقدرة من أصحابه على المشاركة في أعمال الخير والمسارعة إلى أعمال البر، فنجده صلى الله عليه وسلم حينما قدم المهاجرون المدينة واستنكروا ماءها «وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها "رومة " وكان يبيع منها الماء القربة بمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تبيعنيها بعين في الجنة؟
فقال: يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها.
فحينئذ يعرض عليه الصلاة والسلام هذا الثواب الآجل على الصحابة فيقول: "من يشترى بئر رومة، فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ فيشتريها عثمان بن عفان رضي الله عنه».
وعندما يضيق مسجده صلى الله عليه وسلم بالمصلين، يندب القادر من أصحابه إلى شراء ما يوسع به المسجد فيشتريه عثمان أيضا. روى الترمذي في صحيحه عن ثمامة بن حزن القشيري قال: «شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان، فقال ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي: فجيء بهما، قال: فأشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم بالله والإسلام، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشترى بئر رومة فيجعل دلوه مع المسلمين بخير له منها في الجنة، فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم