فهذه أربعة مواقف ثبت فيها نزع ملكية العقار بإذنه صلى الله عليه وسلم، وخصصت للمنافع العامة.
وفي عهد الخلفاء الراشدين، نجد الحاجة تتجدد وتدعوه إلى توسعة مسجده صلى الله عليه وسلم، وتوسعة المسجد الحرام، فيقوم الخليفة عمر رضي الله عنه بشراء الدور المحيطة بمسجده صلى الله عليه وسلم فيما عدا حجرات أمهات المؤمنين، فلا يعرض لها، وأما غيرها من الدور فهو يقومها، ويدفع لأربابها قيمتها رضوا أم كرهوا، ثم يهدمها، ويوسع بها المسجد، وقد توقف في أخذ دار العباس بن عبد المطلب لمكانته من النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن داره هذه قطيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرض عليه عمر حاجة المسجد لها، ويرغبه في التنازل عنها مقابل تعويض عادل، ويخيره بين أشياء ويقول له:"يا أبا الفضل، إن مسجد المسلمين قد ضاق بهم، وقد ابتعت ما حوله من المنازل، نوسع به على المسلمين في مسجدهم إلا دارك، وحجر أمهات المؤمنين، فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها، وأما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم.
فقال العباس: ما كنت لأفعل.
قال فقال له عمر: اختر منى إحدى ثلاث: إما أن تبيعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين، وإما أن أخطك حيث شئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين، وإما أن تصدق بها على المسلمين فتوسع بها من مسجدهم" قال العباس: اللهم لا آخذ لها ثوابا، وقد تصدقت بها على جماعة المسلمين، فقبلها عمر رضي الله عنه منه، فأدخلها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى أن عمر خط للعباس داره التي هي اليوم وبناها من بيت مال المسلمين.
ونقل السمهودي في تاريخ المدينة عن يحيى بن سعيد "أن عمر بن الخطاب لما زاد في المسجد دعا من كان له إلى جانبه فنزل فقال: اختاروا مني بين ثلاث خصال: إما البيع فأثمن، وإما الهبة فأشكر، وإما الصدقة على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجابه الناس ".