للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكما دعت الحاجة إلى توسعة المسجد النبوي، فقد ضاق المسجد الحرام بالمصلين والطائفين، فاشترى الخليفة عمر رضي الله عنه الدور المحيطة به، ودفع أقيامها لأهلها ومن أبى منهم قوم داره ثم رصد أثمانها في خزانة الكعبة، وألزمهم بإخلائها وهدمها، وقال: إن البيت لم ينزل عليكم، وإنما نزلتم عليه فهو فناؤه.

ذكر أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة بسنده عن ابن جريج قال: " كان المسجد الحرام ليس عليه جدران محاطة، إنما كانت الدور محدقة به من كل جانب، غير أن بين الدور أبوابا يدخل منها الناس من كل نواحيه، فضاق على الناس فاشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه دورا فهدمها، وهدم على من قرب من المسجد، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن، وتمنع من البيع، فوضعت أثمانها في خزانة الكعبة حتى أخذوها بعد، ثم أحاط عليه جدارا قصيرا، وقال عمر: إنما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها، ولم تنزل الكعبة عليكم، ثم كثر الناس في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، فوسع المسجد، واشترى من قوم، وأبى آخرون أن يبيعوا، فهدم عليهم، فصيحوا به، فدعاهم وقال: إنما جرأكم علي حلمى عنكم، فقد فعل بكم عمر هذا فلم يصيح به أحد، فاحتذيت على مثاله، فصيحتم بي، ثم أمر بهم إلى الحبس، حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فتركهم ".

* * *

وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون، متوخين في عملهم هذا خير الأمة، ومصلحة عامة الناس، فهم يقدمون منفعة العموم على مصلحة الفرد، ودون أن يضار الأفراد بشيء، إذ أن من أخذت داره عوض عنها بالقيمة أو بدار أخرى.

وهذا الصنيع داخل تحت القاعدة المشهورة: يتحمل الضرر الخاص لأجل رفع الضرر العام. ويعلل الشاطبي لذلك فيقول: "لأن المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة، بدليل النهى عن تلقي السلع، وعن بيع الحاضر للبادي، واتفاق السلف على تضمين الصناع مع أن الأصل فيهم الأمانة، وقد زادوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره مما رضي أهله ومما لا يرضون، وذلك يقضي بتقديم مصلحة