وعليه يعطل أهم أصول شرائع الدين، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تكون الدعوة إلى الله، بل تعطل الشرائع كلها بما فيها من أمر ونهي وحساب وجزاء؛ لأن العبد حسب ما أجبره عليه ربه ويسره له، فإذا رأيت العاصي يمارس معصيته والكافر يكفر، فلا ينكر قلبك ولا يتمعر وجهك لأنه ليس له إرادة في فعله، وإن أنكرت عليه قال: هذا جبر جبرت عليه.
أما القدرية فوصفوا الله تعالى بالعجز عن خلق فعل عبده، ووصفوا العبد بالمقابل بالقدرة على خلق فعل نفسه، وأنه يخلق ما لا يقدر الله على فعله.
بل وصفته الغالية بالجهل بما سيقع من عبده، والعلم بعدما يقع من فعله، بينما على ضده يكون سلوك الفرد القدري حيث لا رقيب عليه؛ لأنه مستقل بفعله وقدرته، لما نفوا تقدير الله لأفعال عباده حسنها وقبيحها، خيرها وشرها.
وأهل السنة وسط بينهما:
فيقررون للعبد قدرة واختيارا ومشيئة، لا يجبره على فعله أحد، بل يفعل ما يفعله بمحض إرادته وحسب مشيئته، لكن فعله هذا وإرادته هذه داخلة في خلق الله تعالى له، كما أنها مسبوقة بعلم الله بها، فلا يعمل عملا إلا وقد سبق تقديره وإرادته في علم الله الأزلي، وكتبه عنده في كتابه الذي جرى بما كان ويكون إلى قيام الساعة.