للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال القرطبي في تفسير الآية: وقيل: هذا عام، أي: صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله تعالى، قاله مجاهد، وقال الكلبي: إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه، وإن أضلهم أطاعوه، فصدق ظنه فاتبعوه.

قال الحسن: ما ضربهم بسوط ولا بعصا، وإنما ظن ظنا، فإن قيل: كيف علم إبليس صدق ظنه وهو لا يعلم الغيب؟ قيل له: لما نفذ له في آدم ما نفذ غلب على ظنه أنه ينفذ له مثل ذلك في ذريته، وقد وقع له تحقيق ما ظن، وجواب آخر وهو: ما أجيب إليه في قول الله سبحانه: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} (١)، فأعطي القوة والاستطاعة، فظن أنه يملكهم كلهم بذلك، فلما رأى أنه تاب على آدم، وأنه سيكون له نسل يتبعونه إلى الجنة، وقال الله له: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (٢)، علم أن له تبعا ولآدم تبعا، فظن أن تبعه أكثر من تبع آدم؛ لما وضع في يديه من سلطان الشهوات، ووضعت الشهوات في أجواف الآدميين، فخرج على ما ظن حيث نفخ فيهم، وزين في أعينهم تلك الشهوات، ومدهم إليها بالأماني والخدائع، فصدق عليهم الظن الذي ظنه، والله أعلم

(٣).


(١) سورة الإسراء الآية ٦٤
(٢) سورة الحجر الآية ٤٢
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٢٣٩ دار الشعب، القاهرة، ط ٢/ ١٣٧٢ هـ.