للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والاختيار للعبد جعل خالق مع الله، وإثبات شريك له، بل الله سبحانه هو الخالق، والعباد فاعلون مختارون حقيقة غير خالقين لأفعالهم، ولا مضطرين عليها (١)، وهذا معلوم بالاضطرار حسا وشرعا.

وأما استدلالهم بقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (٢) فنقول: إن هذه الآية تثبيت لمشيئة الله سبحانه وتعالى وحده، وهذا حق، ولكنها تدل أيضا على إثبات المشيئة للعباد، وهذا يؤيد قول أهل السنة بإثبات المشيئة للعباد ولكنها واقعة وخاضعة لمشيئة الله سبحانه وتعالى، وهذه الآية قد استدل بها المعتزلة على مذهبهم، وهذا يبين بطلان قول كل من المعتزلة والجبرية، وأن أدلة كل طرف ترد على أدلة الطرف الآخر؛ لأن كلا منهم أخذ بشيء من الدليل وترك شيئا.

وأما استدلالهم بقوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (٣)، فهو في الحقيقة دليل عليهم لا لهم، وليس فيه دليل على قولهم، وذلك أن القتل الذي حصل في وقعة بدر، والتي نزلت فيها هذه الآيات إنما حصل بأمور خارجة عن قدرتهم، مثل إنزال الملائكة، وإلقاء الرعب في قلوبهم، فقتلهم حاصل بأمر خارج للعادة، ولم ينفرد المسلمون بقتلهم، بل قتلهم الملائكة، فصارت رؤوس


(١) انظر شفاء العليل ص (١١٨).
(٢) سورة التكوير الآية ٢٩
(٣) سورة الأنفال الآية ١٧