للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشركين تطير قبل وصول السلاح إليها بالإشارة (١).

وكذلك الرمي، لم يكن في قدرته - صلى الله عليه وسلم - أن التراب يصيب أعينهم كلهم، فهذا الرمي الخارج عن قدرة العباد المعتادة هو الذي نفاه الله عنه، فلم يكن من فعله - صلى الله عليه وسلم - بل من فعل الله، فالرمي يراد به الحذف والطرح، كما يراد به الإيصال والإصابة، فنفى عنه الإيصال والإصابة، بقوله: {وَمَا رَمَيْتَ} (٢)، وأثبت له الطرح والحذف بقوله: {إِذْ رَمَيْتَ} (٣)، ثم قال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (٤) أي: أصاب.

يقول الإمام البغوي: في هذه الآية: (ليس في وسع أحد من البشر أن يرمي كفا من الحصى إلى وجوه جيش فلا يبقى فيهم عين إلا ويصيبها منه شيء، وقيل: معناه: وما بلغت إذ رميت، ولكن الله بلغ). (٥).

ويقول العلامة ابن القيم: (اعتقد جماعة أن المراد بالآية: سلب فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنه، وإضافته إلى الرب تعالى، وجعلوا ذلك أصلا في الجبر، وإبطال نسبة الأفعال إلى العباد، وتحقيق نسبتهما إلى الرب وحده. وهذا غلط منهم في فهم القرآن. فلو صح ذلك لوجب طرده في جميع الأعمال، فيقال: ما صليت إذ صليت، وما صمت إذ صمت، وما ضحيت إذ ضحيت، ولا فعلت كل فعل إذ فعلته، ولكن الله فعل ذلك؛ فإن طردوا


(١) انظر: سيرة ابن هشام (١/ ٦٣٣).
(٢) سورة الأنفال الآية ١٧
(٣) سورة الأنفال الآية ١٧
(٤) سورة الأنفال الآية ١٧
(٥) معالم التنزيل للبغوي (٢/ ٢٣٨)، وانظر تفسير ابن كثير (٣/ ٢٩٥).