للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك لزمهم في جميع أفعال العباد - طاعاتهم ومعاصيهم - إذ لا فرق؛ فإن خصوه بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وحده وأفعاله جميعها، أو رميه وحده: تناقضوا. فهؤلاء لم يوفقوا لفهم ما أريد بالآية.

وبعد. فهذه الآية نزلت في شأن رميه - صلى الله عليه وسلم - المشركين يوم بدر بقبضة من الحصباء، فلم تدع وجه أحد منهم إلا أصابته، ومعلوم أن تلك الرمية من البشر لا تبلغ هذا المبلغ. فكان منه - صلى الله عليه وسلم - مبدأ الرمي. وهو الحذف، ومن الله سبحانه وتعالى: نهايته، وهو الإيصال، فأضاف إليه رمي الحذف الذي هو مبدؤه، ونفى عنه رمي الإيصال الذي هو نهايته، ونظير هذا قوله في الآية نفسها: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} (١). ثم قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (٢) فأخبره: أنه هو وحده هو الذي تفرد بقتلهم، ولم يكن ذلك بكم أنتم، كما تفرد بإيصال الحصى إلى أعينهم، ولم يكن ذلك من رسوله، ولكن وجه الإشارة بالآية: أنه سبحانه أقام أسبابا ظاهرة، كدفع المشركين، وتولي دفعهم، وإهلاكهم بأسباب باطنة غير الأسباب التي تظهر للناس، فكان ما حصل من الهزيمة والقتل والنصرة مضافا إليه، وبه وهو خير الناصرين (٣).

وأما استدلالهم بقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (٤).


(١) سورة الأنفال الآية ١٧
(٢) سورة الأنفال الآية ١٧
(٣) مدارج السالكين (٣/ ٤٢٦ - ٤٢٧).
(٤) سورة الواقعة الآية ٦٤