وأما المسألة الثانية وهي خلطهم بين الإرادة والأمر، والمحبة والرضا، فإن الحق والصواب هو التفريق بين الإرادة والأمر الكوني، والإرادة والأمر الديني الشرعي، وأن النوع الأول يستلزم الوقوع ولا يستلزم المحبة والرضا، بخلاف الثاني فإنه مستلزم للمحبة والرضا غير مستلزم للوقوع.
فلا يصح إطلاق القول بأن الله مريد لهذه القبائح، ولا أنه غير مريد لهذه القبائح، ولا أنه غير مريد له، بل لا بد من الاستفصال، فإن أريد بكونه مريدا لها الإرادة الكونية القدرية فنعم، وإن أريد الإرادة الدينية الشرعية فلا.
وعلى هذا فقد يريد الله ما لا يحبه ولا يرضاه، وذلك كالكفر الواقع. إنه مراد كونا وقدرا، وغير محبوب ولا مرضي، وقد يحب سبحانه وتعالى ما لا يريده كونا وقدرا، وذلك كمحبته الإيمان من الكفار الذي لم يرد الله أن يهديهم.
وبهذا التفصيل وبمعرفة الفرق بين الإرادتين يزول الإشكال.
يقول ابن القيم:" فإذا قيل: هو مريد للشر أوهم أنه محب له، راض به، وإذا قيل: إنه لم يرده أوهم أنه لم يخلقه، ولا كونه، وكلاهما باطل، ولذلك: إذا قيل إن الشر فعله أو أنه يفعل الشر، أوهم أن الشر فعله القائم به، وهذا محال، وإذا قيل: لم يفعله، أو ليس بفعل له، أوهم أنه لم يخلقه ولم يكونه، وهذا محال "(١).