للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التوفيق والإلهام من الله، وهذا النفي باطل، فإن الآية تدل على ذلك، وهي كقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ} (١) وهذا لم يحصل؛ لأن الله سبحانه إنما وفق للإيمان بعضهم دون بعض (٢)، حكمة منه وفضلا، فهداية البيان والدلالة عامة، وأما هداية التوفيق والإلهام فهي خاصة، يختص الله بها من يشاء من عباده، كما قال سبحانه: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (٣).

ثم إن زعمهم بأن معنى الآية: لو شئنا لأجبرناهم وألجأناهم إلى الإيمان، ولكن هذا لم يحصل لئلا تزول حكمة التكليف، هذا الزعم باطل؛ لأنه يقتضي أن الله تعالى لا يقدر أن يهديهم إلا بطريق الإلجاء، ولا يخفى ما في هذا من تنقص الرب تعالى، ونسبته إلى ما لا يليق به سبحانه وتعالى.

والحق أن هداية الله تعالى لعباده وتوفيقه لهم ليست من باب الإلجاء والاضطرار، ولو كانت من هذا الباب لم يسم ذلك إيمانا، ولم ينتفع به صاحبه.

يقول ابن القيم: في ذكره لرد أهل السنة والجماعة على شبهة القدرية هذه: " هذا كلام باطل، فإنه سبحانه قادر على أن يخلق فيهم


(١) سورة يونس الآية ٩٩
(٢) انظر: معالم التنزيل للبغوي (٣/ ٤٩٩)، وتفسير ابن كثير (٥/ ٤٠٨)، وفتح القدير للشوكاني (٤/ ٢٥٢).
(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٢