للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشيئة الإيمان وإرادته ومحبته، فيؤمنون بغير قسر ولا إلجاء، بل إيمان اختيار وطاعة، كما قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ} (١)، وإيمان القسر والإلجاء لا يسمى إيمانا، ولهذا يؤمن الناس كلهم يوم القيامة، ولا يسمى ذلك إيمانا؛ لأنه عن إلجاء واضطرار، قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} (٢).

وما يحصل للنفوس من المعرفة والتصديق بطريق الإلجاء والاضطرار والقسر لا يسمى هدى، وكذلك قوله: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} (٣).

فقولكم: لم يبق طريق إلى الإيمان إلا بالقسر باطل، فإنه بقي إلى إيمانهم طريق لم يرهم الله إياه، وهو مشيئته وتوفيقه وإلهامه وإمالة قلوبهم إلى الهدى، وإقامتها على الصراط المستقيم، وذلك أمر لا يعجز عنه رب كل شيء ومليكه، بل هو القادر عليه كقدرته على خلقه ذواتهم ... ولكنه عز وجل منع الكفار من ذلك لحكمته وعدله فيهم، وعدم استحقاقهم وأهليتهم لبذل ذلك لهم، كما منع السفل خصائص العلو، ومنع الحار خصائص البارد، ومنع الخبيث خصائص الطيب، ولا يقال: فلم فعل هذا؟ فإن ذلك من لوازم ملكه وربوبيته، ومن مقتضيات


(١) سورة يونس الآية ٩٩
(٢) سورة السجدة الآية ١٣
(٣) سورة الرعد الآية ٣١