عند التأمل في شرط الاجتهاد من لدن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - إلى عصور متأخرة، يلمس الباحث تطورا وتوسعا في تلك الشروط، وبما يتناسب مع تغير العصور والجو العلمي السائد، فالأدوات العلمية المقدمة هي الأصل المستصحب في كل عصر! إلا أنه قد يزاد عليها بالقدر الذي تقتضيه ظروف ذلك العصر، فما قرره الشافعي في القرن الثاني من شروط " لا يمكن أن تكون كافية للنظر الاجتهادي في القرن الثالث الهجري؛ الذي تبدل فيه الواقع الفكري والسياسي؛ إذ إنه بينما كان الصراع في القرن الثاني الهجري صراعا فقهيا بين المدارس الفقهية، فإن الصراع غدا من منتصف القرن الثالث الهجري صراعا كلاميا بين المدارس الكلامية - أشاعرة ومعتزلة وماتريدية - وامتزج بشيء من الفكر الأصولي، مما يبرر القول في هذا القرن بضرورة أن يتوفر في الراغب في التصدي للنظر الاجتهادي على زاد معرفي غير مغشوش من الفكر الأصولي والكلامي .. "(١).
وقد تناقل العلماء في كتبهم قديما وحديثا أن مرتبة المجتهد المطلق لم تعد موجودة من قديم الزمان، وذهب آخرون إلى انعدام أنواع
(١) (أدوات النظر الاجتهادي المنشود)، د. قطب سانو (ص ٤٧).