للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك. انتهى.

فمن تمسك بالقرآن كما تمسك به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصالحون من بعدهم من جماعات وآحاد أوصله إلى السعادة الأبدية، ومن أعرض عنه، فإن له معيشة ضنكا، أي ضيقة نكدة في هذه الدنيا، ويحشره الله يوم القيامة أعمى لأنه كان في الدنيا أعمى لا يستضيء بنور القرآن، {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا} (١) فكل ما أصاب المنتمين إلى الإسلام في هذا الزمان هو بسبب إعراضهم عن القرآن، ومن شك فليجرب، وكيف يشك عاقل في ذلك، وهذا تاريخ المسلمين أمامنا، كأننا ننظر إليه بأعيننا مطابق لهذا الوعيد كل المطابقة، وقد اعترف بهذا الموافق والمخالف حتى الملحدون أعداء الدين اعترفوا بأن القرآن هو الذي نفخ في أتباعه روح الحياة، وبعثهم على اقتباس المدنيات وعلوم الحضارة كما قرره (جوزيف ماك كيب)، ونقله عن كبار الفلاسفة الملحدين في كتابه (مدينة العرف في الأندلس) في أكثر من موضع، ويحتمل أن يكون الحبل بمعنى العهد في قوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} (٢) من أعرض عن القرآن فقد نقض عهد الله، فالمعنيان متلازمان.

قوله لا تزيغ به الأهواء يعني أن من كان هواه تبعا للقرآن، يحيي ما أحيا القرآن، ويميت ما أمات القرآن، ويثبت ما أثبته القرآن، وينفي ما نفاه القرآن، ويرفع ما رفعه القرآن، ويخفض ما خفضه القرآن، ويدور معه كيفما دار، فهو سعيد موفق منصور مهتد؛ لأن القرآن هو الصراط المستقيم، فمن خرج عنه وقع في الزيغ والهلاك، ويشابه هذا المعنى حديث الأربعين، قال النووي: عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به (٣)» حديث حسن صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.

ومصداقه في كتاب الله عز وجل، قال تعالى في سورة النساء (٦٥) {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (٤) فلا تصح دعوة الإيمان ولا تدرك ثمرته، وهي السعادة إلا برد كل نزاع إلى كتاب الله وسنة رسوله، والرضا بما يصدر عنهما من حكم مع التسليم والإذعان والمحبة.


(١) سورة الإسراء الآية ٧٢
(٢) سورة آل عمران الآية ١٠٣
(٣) أخرجه الخطيب في تاريخه (٤/ ٤٩١)، والبغوي في شرح السنة (ح/١٠٤)، والحسن بن سفيان كما في فتح الباري، وقال ابن حجر: رجاله ثقات، وقد صححه النووي في آخر الأربعين. انظر: فتح الباري (١٣/ ٢٨٩).
(٤) سورة النساء الآية ٦٥