للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إشهار إسلامه كان له أن يخفي ذلك، وألا يعلنه وهذا يتيح له الأمن على نفسه. وأما من لم يكن يخشى على نفسه إما لعزته وقوته، وإما لوجود منعة تحميه، فإنه كان لا يبالي بأن يشهر إسلامه. فقد أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: «أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد. فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس ... (١)».

ولذا كان إخفاء المدعو عن نفسه بأنه دخل في الإسلام، أو إعلان ذلك إبان مرحلة الاستخفاء إنما كان يرجع إلى المدعو نفسه الذي هو عادة أدرى بخاصة نفسه.

- استخفاء المدعو كان باختياره: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر المدعو بأن يخفي أو يعلن أمر إسلامه على وجه الإلزام وهذا يتضح من قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر - رضي الله عنه -: «اكتم هذا الأمر (٢)». وقد فهم أبو ذر - رضي الله عنه - أن مبعث هذا الأمر هو الحذر من أن يناله مكروه من كفار قريش إذا علموا بإسلامه، وهو الغريب عن مكة، وليس له فيها من يحميه بدليل ما جاء في الرواية الثانية التي أوردها البخاري أيضا لهذه القصة، فقد جاء ما نصه فيها: «ارجع إلى قومك، فأخبرهم، حتى يأتيك أمري (٣)». فالإخبار هنا صدر بصيغة الأمر، وهو يشمل إخبار قومه " قبلية غفار " بأمر الدعوة، وبأمر إسلامه ..


(١) أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن
(٢) البخاري المناقب (٣٣٢٨)، مسلم فضائل الصحابة (٢٤٧٤).
(٣) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، رقم الحديث: ٣٨٦١