والأقوياء والأشراف كأبي طالب من وجهاء قريش الذي لم يسلم وأبي بكر العزيز في قومه مالا ونسبا وعلما ومن استجاب له وهذا لا ينفي وجود الضعفاء أو الأرقاء في الصف الأول، ولكن الذي ننفيه أن يكونوا هم الغالبية كما يقرره كثير من الكتاب، لأن هذا مخالف للحقائق الثابتة، ولو كانوا كذلك لكانت الدعوة في تلك المرحلة طبقية يقوم فيها الضعفاء والأرقاء ضد الأقوياء وأصحاب النفوذ وهذا لم يحدث. وإنما انتشر أمرهم - أعني الضعفاء - لأن تعذيبهم كان على الملأ ومن قبل الجميع، بينما امتنع الأقوياء بأقوامهم، فمنهم من عذب ضمن قبيلته، ومنهم من كان مفتونا في أهله إكراما له ولهذا انتشر خبر إسلامهم وخفي خبر إسلام الأقوياء في بادئ الأمر. وإنه لمن القوة للدعوة أن يكون غالبية أتباعها في مرحلة الاستخفاء بالذات من كرام القوم الذين آثروا في سبيل عقيدتهم أن يتحملوا أصنافا من الهوان والعذاب ما سبق لهم أن عانوا مثلها.
ولا ريب أن سبق بعض الأرقاء والضعفاء إلى اعتناقه منذ الأيام الأولى هو دليل على شمولية الدعوة في مرحلة الاستسرار، ولو كانت ثمة إحصاءات لسكان أهل مكة يومئذ لوجدنا أن نسبة المدعوين الضعفاء الذين أسلموا إلى الضعفاء الذين لم يسلموا ليست بأكثر من نسبة الأشراف الذين أسلموا إلى غيرهم من أقوامهم ممن لم يسلم.