للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخلوقات، ولقد أوضحنا أن أئمة الدعوة بريئون من وصمة التشبيه أو التمثيل الذي يرميهم به أعداؤهم قديما وحديثا، وأنه لا يلزم من إثباتهم صفة الاستواء والنزول والمجيء وسائر الصفات الذاتية والفعلية أن يكونوا مشبهة، فإنهم تابعون للنصوص الصريحة في الإثبات ومصرحون بنفي مشابهة المخلوقات كما يثبت غيرهم الصفات العقلية. وينفون عنها التشبيه، وكما يثبت الباقون الذات الحقيقية ويتوقفون عن معرفة ماهيتها وكنه حقيقتها، وقد يكون النافون أولى بالتشبيه؛ لأنه لم يتبادر إلى أذهانهم سوى دلالة النصوص على التشبيه ولم يفهموا منها إلا هذا المعنى الباطل، فاعتقدوا أن ظاهر النصوص غير مراد؛ لأنه بزعمهم يدل على مماثلة الله للمخلوقات، تعالى الله وتقدس.

وأقول ثالثا: قال في السطر الثاني من الصفحة الثانية:

أما الآيات المتشابهات فلا بد فيها من التأويل خوف التجسيم والتشبيه. . إلخ.

والجواب: أن هذا قول خاطئ مخالف لقول الراسخين في العلم الذين يقولون في المتشابه: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (١) فقد ذم الله الزائغين الذين {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (٢) إن هذا الكاتب اعتقد أن آيات الصفات فقط هي القسم المتشابه وحده، وهو قول خاطئ من حيث العموم فإنها محكمة جلية ظاهرة المعاني مفهومة الدلالة، فسرها السلف والأئمة وأوضحوا معاني ما اشتملت عليه، ولم يفوضوا لفظها كما يزعم أهل الكلام ولم يحرفوا معانيها كما يدعي هذا الكاتب ونحوه أن تأويلها لازم خوف التجسيم. . إلخ. فأما قوله لأن القرينة تصرف اللفظ عن ظاهره. . إلخ. نقول ليس ثم قرينة يحتاج معها إلى تحريف الكلم عن مواضعه فمتى قلنا {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (٣) واعتقدنا أن الألفاظ دالة على معاني صحيحة مفهومة للمخاطبين وأنها دالة على صفات تناسب الموصوف وتباين صفات المحدثات ونحو ذلك لم نحتج إلى صرف اللفظ


(١) سورة آل عمران الآية ٧
(٢) سورة آل عمران الآية ٧
(٣) سورة آل عمران الآية ٧