للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن ظاهره، حيث يتكلف في هذا الصرف وحيث يكون المعنى المصروف إليه بعيدا عن السياق وعن المفهوم المتبادر للسامعين، فإن المخاطبين به عند نزوله لم يحرفوا معانيه، ولم يفهموا منه شيئا من خصائص المخلوق بل أثبتوا كل الصفات الواردة واعتقدوها لائقة بالموصوف، فلما جاء من بعدهم وفشت فيهم المذاهب الكلامية توسعوا في البحث فاعتقدوا أن ظاهر النصوص يقتضي التجسيم والتشبيه فسلطوا عليها أنواع التأويل كأضراب هذا الكاتب هداهم الله.

فأما قوله: فمن كان هذا شأنه لا بداية ولا نهاية، كيف تعتقد أنه جسم محدود مؤلف من أعضاء يتحرك وينتقل من مكان إلى مكان آخر ويترك وراءه فراغا؟

هذا عليه فيه ملاحظات منها قوله: لا بداية ولا نهاية، قال ذلك بعد الآية الكريمة: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} (١) وهو تفسير مبتدع فإن هذه الأسماء قد بين معانيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ووضحها بقوله في دعاء الاستفتاح: «أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء (٢)».

ومنها قوله: كيف نعتقد أنه جسم محدود. والجواب: أنه لا يلزم من إثبات الصفات على ما يليق بها القول بأنه جسم محدود، ثم قد سبق الرد على قوله جسم محدود مؤلف من أعضاء، وبينا أن هذه ألفاظ بدعية لا يجوز الخوض فيها إثباتا ولا نفيا. . إلخ. ومنها قوله: يتحرك وينتقل من مكان. . . إلخ فنقول إنهم بالقول بذلك أئمة الدعوة السلفية وهو كقوله آنفا: يجلس ويقوم ويغدو ويروح وينزل ويرتفع وقد ذكرنا الجواب عنه آنفا وأوضحنا أنه لا يلزم من إثبات المجيء والنزول الذي وردت به الأدلة أن نقول بالحركة والانتقال المحسوس الذي هو من خواص المحدثات والمركبات، بل مجيء الله ونزوله هو كما يليق به وهو حق حقيقي ليس بمجاز ولا يصح نفيه بعد ثبوته في النصوص التي دلالتها قطعية.


(١) سورة الحديد الآية ٣
(٢) رواه مسلم ١٧/ ٣٥ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وكذا رواه أحمد وأهل السنن.