للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن هذا الكاتب ذكر مثالا لتأويل بعض الآيات المتشابهة كما زعم وهي قوله {وَجَاءَ رَبُّكَ} (١) فأقحم فيها لفظ: أمر، فقال: وجاء أمر ربك والملك. . . إلخ وهذا تفسير الجهمية ومن تبعهم ولا عبرة بكثرة من قاله من المتقدمين، والمتأخرين، فإننا متبعون للأدلة، فقد ذكر الله الإتيان وأضافه إلى ذاته، وفرق بين إتيانه وإتيان بعض آياته، فقال عز وجل {هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} (٢) وقال تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} (٣) إلخ. ومتى قلنا إن الله يجيء كما يشاء إتيانا يليق به لم يلزم القول بالحركة الموهومة، مع أن تأويله بالأمر لم ينقل عن أحد من السلف وهم الأسوة وبهم القدوة.

ثم ذكر مثالا ثانيا للتأويل الذي التزم سلوكه خوفا من التشبيه فقال في السطر الثامن من الصفحة الثانية (النزول) معناه الهبوط من أعلى إلى أسفل ثم الرجوع ثانيا إلى مكانه وهذا أيضا مستحيل، إذا لا بد من التأويل، نزول من وإفضال وقبول توبة، بمعنى التنزل، لا كنزول الأجسام والصور. . . إلخ.

والجواب أن يقال: وردت أحاديث كثيرة صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن الله تعالى ينزل كل ليلة، وذكرت بلفظ النزول وبلفظ الهبوط، والذين نقلوها هم نقلة أحكام الشريعة ولم ينكرها أحد من السلف، ولم يقولوا إن المراد نزول فضله أو منه أو قبوله التوبة. إلخ. كما أنهم لم يكيفوا ذلك ولم يشبهوه بنزول الأجسام واعتبروه مثل المجيء والإتيان الذي أثبته الله لنفسه، ولم يلزم من إثباته ما هو مستحيل بل الجميع نص على حقيقته، وهو من خصائص المتصف به لأنه تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (٤) في ذاته ولا في صفاته.

ثم ذكر مثالا ثالثا لصرف اللفظ عن ظاهره فقال في السطر العاشر في


(١) سورة الفجر الآية ٢٢
(٢) سورة الأنعام الآية ١٥٨
(٣) سورة البقرة الآية ٢١٠
(٤) سورة الشورى الآية ١١