للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصفحة الثانية: وهذا كحديث «الحجر الأسود يمين الله في الأرض (١)» لما كانت اليد هي موضع التقبيل والتبجيل والاعتراف بالفضل والجميل كان الحجر بمنزلة اليد لا عينها.

فنقول أولا: إن هذا لم يثبت حديثا مرفوعا، وإنما هو من قول ابن عباس في الحكمة من استلام الحجر وتقبيله. وثانيا: إن ابن عباس قد بين في تمام كلامه ما يبعد الوهم فقال: فمن صافحه أو قبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه، فقد بين أن الحجر ليس هو عين يمين الله تعالى، فإن المشبه غير المشبه به، فقد بين أن مستلمه ليس مصافحا لله وأنه ليس هو عين الله فليس في هذا إيهام، ولا يحتاج إلى تأويل، حيث إن السياق لا يدل على التشبيه، ثم ذكر جملة من الآيات وصرفها عن ظاهرها متبعا في ذلك تأويلات الجهمية وأتباعهم؛ ففي السطر الثاني عشر قال {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (٢) هذه إشارة إلى علو المكانة لا المكان.

والجواب: أن هذا تأويل المعتزلة ونحوهم حيث ينكرون صفة العلو الذاتي لله تعالى، أما أهل السنة فيقولون: إن الله تعالى في السماء كما يشاء. وكما في هذه الآية والتي بعدها، وكما وردت به السنة في جملة أحاديث ولا يقولون: إن السماء تحويه أو تحصره تعالى عن ذلك علوا كبيرا. بل يقولون إن المراد بالسماء جهة العلو، فإن كل ما علا فهو سماء أو أن المراد: من على السماء كقوله {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} (٣) أي عليها. وأدلة العلو متواترة متنوعة الدلالة، صريحة لمن تأملها ولا يلزم منها محذور كما تقول الجهمية ومن تبعهم.

ثم قال في نفس السطر {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} (٤) أي ذاته {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (٥) أي عنايتي ورعايتي لك.

فنقول هذا تأويل خاطئ، حيث أنكر ما أثبته الله لنفسه من صفة الوجه


(١) لم أجده هكذا في الأمهات.
(٢) سورة الملك الآية ١٦
(٣) سورة التوبة الآية ٢
(٤) سورة الرحمن الآية ٢٧
(٥) سورة طه الآية ٣٩