مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه، قال: أين السائل عن الساعة؟ قال الأعرابي: ها أنا يا رسول الله. قال: إذا ضيعت الأمانة، فانتظروا الساعة. قال السائل كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أوسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة (١)»
وما ذلك إلا أن الساعة، التي لا تقوم إلا على شرار الخلق، من علامات اقتراب وقوعها: أن يضيع المجتمع بأسره الأمانة، ولا يزال في هذه الأمة، مجال للخير واسعا، ما دامت الأمانة تجد رعاية واهتماما، ومحافظة ودعوة إلى التعاون في سبيل الوفاء بالأمانات، والإنكار على من يتهاون بها.
وما ذلك إلا أن الأمانة من الإيمان، الذي مر بنا تعريفه بأنه: تصديق بالقلب، وعمل بالجوارح، وقول باللسان، ولا بد من تلازم هذه الأمور الثلاثة، حيث يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، فإذا أضيعت الأمانة، فسدت الأمم، وتعدى القوي على الضعيف، وكثر الاستهانة بحقوق الآخرين عامة وخاصة، وبذلك تنعدم الثقة بين
(١) ينظر جامع الأصول لابن الأثير تحقيق الأرناؤوط عام ١٣٩٢ هـ - ١٩٧٢ الطبعة الأولى ١: ٣٢١.