ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أكرموا الشهود فإن الله تعالى يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم (١)».
وإذا كان بين مكان الشاهد ومحل الحكم مسافة تحتاج إلى الركوب وأركبه المشهود له دابة عنده فإن هذا يمنع قبول شهادة الشاهد إذا لم يكن هناك عذر، إما إذا كان هناك عذر كأن لا يقدر الشاهد على المشي إلى موطن الحكم، ولا يستطيع كراء دابة يركبها لفقره فإنه لا يمنع من قبول شهادته هذا الركوب.
أما إذا أكل الشاهد من طعام المشهود له فينظر إن كان الطعام مهيأ لأجله لم تقبل شهادته، وإن كان غير مهيأ له تقبل.
وروي عن محمد بن الحسن أنها لا تقبل في الحالتين. وعن أبي يوسف أنها تقبل فيهما للعادة الجارية به. وبقول أبي يوسف يفتى في مذهب الحنفية.
وعلى كل حال يترتب على هذا الشرط أنه إذا كان المكان بعيدا بحيث لا يستطيع الشاهد أن يعود إلى منزله في يوم شهادته بعد أن يؤديها لم تجب عليه مهما كبر الحق المشهود به، ولو بلغ الآلاف المؤلفة من دنانير الذهب، وفي هذا صعوبة كبيرة على صاحب الحق وضرر عظيم لا يساويه ضرر مبيت الشاهد ليلة بعيدا عن منزله، ويترتب عليه أيضا أن الشاهد متى كان قادرا على دفع أجرة الكراء وجب عليه أن يدفعها من ماله الخاص، وفي هذا إضرار بالشهود، وإلجاء لهم على ألا يشهدوا على الحقوق مهما عظمت تخلصا من الغرامات التي تلحقهم من جرائها،
(١) رواه الخطيب في التاريخ، وابن عساكر، والبانياسي في جزئه عن ابن عباس، وقد أخرجه الدكتور محمد الزحيلي عند تحقيق كتاب: أدب القضاء لابن أبي الدم، وقال بأنه حديث ضعيف، ونسب إلى الذهبي القول بأنه منكر، انظر: مختصر شرح الجامع الصغير للمناوي ج١ ص٩٢، أدب القضاء لابن أبي الدم ص٩٨، كنز العمال ج٧ ص١٢.