للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدل هذا الحديث على كراهية إظهار الإنسان للناس ما ستره أفضل مما يحصل منه من مستقبح من قول أو فعل كالزنا وشرب الخمر والقذف، وأن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا اقترف فاحشة، وكما يجب عليه ذلك في حق نفسه فإنه يجب عليه في حق غيره (١).

وقد أورد ابن القيم في كتابه: إعلام الموقعين عند كلامه عن اكتفاء الشارع بشاهدين في القتل دون الزنا، فقال: " وأما اكتفاؤه في القتل بشاهدين دون الزنا ففي غاية الحكمة والمصلحة، فإن الشارع احتاط للقصاص والدماء واحتاط لحد الزنى، فلو لم يقبل في القتل إلا أربعة لضاعت الدماء وتواثب العادون وتجرئوا على القتل، وأما الزنا فإنه بالغ في ستره كما قدر الله ستره، فاجتمع على ستره شرع الله وقدره، فلم يقبل فيه إلا أربعة يصفون الفعل وصف مشاهدة ينتفي معها الاحتمال، وكذلك في الإقرار، لم يكتف بأقل من أربع مرات حرصا على ستر ما قدر الله ستره، وكره إظهاره، والتكلم به، وتوعد من يحب إشاعته في المؤمنين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة " (٢).

الأمر الثاني: أداء الشهادة حسبة لإقامة حد الله تعالى لما في ذلك من إزالة للفساد وتقليل له وهذا حسن، لما فيه من صيانة للمجتمع عن الرذائل التي قد تهبط به إلى درجة الانحطاط. والستر إنما يكون في غير المشتهرين، وأما المتكشفون المشتهرون الذين ستروا غير مرة ولم يجد ذلك فيهم فإن كشف أمرهم وقمع شرهم واجب، لأن كثرة الستر عليهم من المهاودة على معاصي الله ومصانعة أهلها، ولأنه لا إثم في كشف الستر ورفعه إلى الحاكم طالما أنه قصد بذلك إقامة حد الله لا للتشفي والانتقام، وهذا لا يعارض قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٣) سورة النور آية ١٩، لأن ظاهرها أنهم يحبون ذلك لأجل إيمانهم وذلك صفة الستر آية النهي عن كتمان الشهادة، لأنها في حقوق العباد


(١) الموطأ ج٢ ص٨٢٥، مواهب الجليل ج٦ ص١٦٦.
(٢) إعلام الموقعين ص٨٤.
(٣) سورة النور الآية ١٩