للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المذكورة وقد أعلن فهمه هذا بحضرة كبار الصحابة وغيرهم ولم يعترض عليه منهم أحد، فأراد رضي الله عنه التنبيه على أن المراد بالخمر في هذه الآية ليس خاصا بالمتخذ من العنب، بل يتناول المتخذ من غيره وهو حجة في اللغة، ثم بين أن الخمر ليس مقصورا على الأصناف التي ذكرها، بل يشمل كل شراب مسكر من أي مادة اتخذ ولذلك قال: والخمر ما خامر العقل.

كما استدلوا بما رواه أحمد والبخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس قال: " كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ونفرا من أصحابه عند أبي طلحة حتى كاد الشراب يأخذ منهم، فأتى آت من المسلمين فقال: أما شعرتم أن الخمر قد حرمت؟ فقالوا: حتى ننظر ونسأل فقالوا يا أنس اسكب ما بقي في إنائك، فوالله ما عادوا فيها وما هي إلا التمر والبر وهي خمرهم يومئذ ".

وما رواه البخاري عنه أيضا قال: إني لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء خليط بر وتمر إذ حرمت الخمر فقذفتها وأنا ساقيهم وأصغرهم وإنا نعدها يومئذ خمرا.

وجه الدلالة: أن الصحابة رضي الله عنهم بينوا أن غالب خمرهم حين تحريم الخمر كان من غير عصير العنب المسكر وبمجرد نزول آية تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر، وامتنعوا عن شرب الأشربة الموجودة عندهم وألقوها، ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره، بل سووا بينها فدل تصرفهم هذا على أن الخمر اسم جنس عام لكل شراب مسكر، وإلا لتوقفوا واستفصلوا عن الحكم لما كان قد تقرر عندهم من النهي عن إضاعة المال، فلما لم يفعلوا ذلك بل بادروا إلى إتلاف الجميع وتبادر إلى أذهانهم فهم العموم بدون قرينة كان ذلك دليلا واضحا على العموم، لأن المتبادر أمارة الحقيقة، قال صاحب الفتح عند قوله: وإنا نعدها يومئذ الخمر، وهو أقوى الحجج على أن الخمر اسم جنس لكل ما يسكر سواء كان من العنب أو من نقيع الزبيب أو التمر أو العسل أو غيرها.

قال القرطبي: بعد أن ذكر حديث أنس المتقدم، هذا الحديث في نزول الآية فيه دليل واضح على أن نبيذ التمر إذا أسكر خمر، وهو نص لا يجوز الاعتراض عليه؛ لأن