للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل وقت وأينما كان فهو معه.

الرابع: أن الله غني عن العبد فهو يحسن إليه لا لمنفعة ترجع إليه سبحانه، ولا مع مضرة عليه سبحانه، ولكن رحمة وتفضلا، أما المخلوق فلا يحسن إلا لحظ نفسه، ولا يقصد منفعتك بالقصد الأول، بل إنما يقصد منفعته بك، فالخلق إنما يحسن بعضهم لبعض لحاجتهم إلى ذلك وانتفاعهم عاجلا أو آجلا، ولولا تصور ذلك النفع لما أحسن أحد إلى أحد فهو في الحقيقة إنما أراد الإحسان إلى نفسه وجعل إحسانه إلى غيره وسيلة وطريقا إلى الوصول إلى نفع ذلك الإحسان إما بجزاء ومعاوضة أو حتى طلب الثناء والمدح والشكر، أما الرب سبحانه فكما قال: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} (١) وقوله في الحديث القدسي: «يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه (٢)» فاتضح مما تقدم ضرورة العباد إلى توحيد الله سبحانه بل إن حاجتهم إلى ربهم في توحيدهم إياه كحاجتهم إليه في خلقه لهم ورزقه إياهم بل أعظم، وليعلم أن حاجة العباد إلى أن يوحدوا الله لا نظير لها فتقاس عليه وأن العبد كلما كان أتم توحيدا لله كان أقرب إليه وأكثر إعزازا وتعظيما لقدره، فأسعد الخلق


(١) سورة الإسراء الآية ٧
(٢) مسلم ٤/ ١٩٩٤ رقم ٢٥٧٧.