متعديا مخالفا للحكمة، ولا تطلب تعجيلها عن وقتها فتخالف الحكمة ولا تؤخرها عنه فتفوتها، وهذا حكم عام لجميع الأسباب مع مسبباتها شرعا وقدرا، فإضاعتها تعطيل للحكمة بمنزلة إضاعة البذر وسقي الأرض وتعدي الحق: كسقيها فوق حاجتها بحيث يغرق البذر والزرع ويفسد وتعجيلها عن وقتها: كحصاده قبل إدراكه وكماله.
وكذلك ترك الغذاء والشراب واللباس: إخلال بالحكمة وتعدي الحد المحتاج إليه؛ خروج عنها أيضا وتعجيل ذلك قبل وقته إخلال بها، وتأخيره عن وقته إخلال بها ... فكل نظام الوجود مرتبط بهذه الصفة وكل خلل في الوجود، وفي العبد فسببه الإخلال بها، فأكمل الناس أوفرهم منها نصيبا، وأنقصهم وأبعدهم عن الكمال: أقلهم منها ميراثا ... ) (١)
وكما أن الحكمة من الصفات الفطرية التي يمن الله بها على من يشاء من عباده فإنها في الوقت ذاته يمكن أن تكتسب وتنمى من خلال أسباب تحصيلها وسبل تنميتها، والتي منها:
١ - العلم؛ وأساسه وأهمه العلم بالكتاب والسنة، ثم سائر العلوم النافعة التي تثري الثقافة وتزيد المعرفة وتوسع الأفق وتنمي الإدراك وتطور الفكر.
٢ - الحلم، وهو ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، أو (هو
(١) مدار السالكين / ابن القيم (مرجع سابق) ٢/ ٤٩٩ (بتصرف).