للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقسم الخامس: الصبر فيما يتوقعه من رغبة يرجوها، وينتظر من نعمة يأملها، فإنه إن أدهشه التوقع لها، وأذهله التطلع إليها انسدت عليه سبل المطالب واستفزه تسويل المطامع فكان أبعد لرجائه وأعظم لبلائه، وإذا كان مع الرغبة وقورا وعند الطلب صبورا انجلت عنه عماية الدهش، وانجابت عنه حيرة الوله، فأبصر رشده وعرف قصده.

والقسم السادس: الصبر على ما نزل من مكروه أو حل من أمر مخوف، فبالصبر في هذا تنفتح وجوه الآراء، وتستدفع مكائد الأعداء، فإن من قل صبره عزب رأيه، واشتد جزعه، فصار صريع همومه، وفريسة غمومه (١)

وهذه الأقسام الستة هي في حقيقتها مجالات الصبر التي لا تخرج عن الأقسام الثلاثة السابقة، وهي أنواع مرتبطة ببعضها لا ينفك أحدها عن الآخر.

ولا شك في أن الصبر من أشق الأشياء على النفوس ويعظم أمره ويزيد أجره كلما كان الداعي إليه أكبر وأعظم و (هذا الباب ينقسم فيه الصبر إلى قسمين أحدهما بحسب قوة الداعي إلى الفعل الثاني بسهولته على العبد، فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق وإن فقدا معا يعني قوة الداعي وسهولته سهل الصبر عنه وإن وجد أحدهما وفقد الآخر سهل الصبر من وجه دون آخر فمن لا داعي له إلى قتل النفس والسرقة وشرب الخمر وأكل الحشيشة وأنواع الفواحش ولا هو


(١) أدب الدنيا والدين /الماوردي (مرجع سابق) ٤٠٦ - ٤٠٩.