للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والاستئناس مشتق إما من الأنس وهو خلاف الوحشة لأن الذي يطرق باب غيره ولا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه، فإذا أذن له استأنس، وإما من الاستئناس الذي هو الاستعلام، من أنس الشيء إذا أبصره ظاهرًا مكشوفًا، والمعنى حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال، هل يراد دخولكم أم لا (١)؟

فالاستئناس استئذان بدقة ولطف وترتيب، فكأن الآية تحض على عدم دخول البيوت إلا إذا علم من أهلها أنهم سيُسرُّون بالداخل وهو سيسرُّ بهم فتزول الوحشة عن الطرفين، وهذا من بلاغة القرآن العظيمة حينما استعمل {تَسْتَأْنِسُوا}، بدلاً من تستأذنوا، لأن الأول أعم وأشمل، وهذا لا يخفي بأدنى تأمل، هذا هو الأدب الأول.

أما الأدب الثاني فهو السلام لقوله: {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}، بأن يسلم الداخل على أهل الدار، وقد وردت أحاديث في كيفية ذلك، ظاهرها تقديم السلام على الاستئذان منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «السلام قبل الكلام» (٢) وقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي دخل ولم يستأذن ولم يسلم: «ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل؟» (٣) وقد يفهم من هذه الأحاديث


(١) انظر: الكشاف (٣/ ٢٢٥). ') ">
(٢) أخرجه الترمذي في جامعة (ص٦١٢)، باب ما جاء في السلام قبل الكلام، برقم (٢٦٩٩)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٢/ ٣٤٦)، برقم (٢٨٥٤).
(٣) أخرجه الترمذي في جامعه (ص٦١٤)، باب ما جاء في التسليم إذا دخل بيته، برقم (٢٧١٠)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٢/ ٣٤٨)، برقم (٢٨٦٥).