أنها تتعارض مع الآية، والحقُّ أنها لا تتعارض، بل هي بيان لها، فخير ما يفسر به القرآن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان ذلك أن من أراد الدخول فإنه يستأنس أهل الدار ويستكشف حالهم ويعلمهم ويؤنسهم، وقد يحصل بالقول كالتسبيح والتحميد والتنحنح، أو بالفعل كقرع الباب أو الجرس ونحوه، فإذا علموا به واستأنسوا به وزالت الوحشة من الطرفين سلَّم ثم استأذن بالدخول، وبهذا تتفق الأدلة ويزول الإشكال، وقيل: إن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، أو إن الواو لا توجب الترتيب، فتقديم الاستئناس على السلام في اللفظ لا يوج تقديمه عليه في العمل (١)
وقوله:{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، بيان للعلة بالأمر بالاستئذان والسلام، أي: أنهما خير وأفضل للطرفين المستأذن وأهل البيت، من الدخول بغتة ومن تحية أهل الجاهلية، ولأنه يدفع خطر الريبة والقصد السيئ ويحمي المؤمن من الوقوع في الفاحشة فربما وقعت عينه على عورة تكون سببًا في تعريض النفس للفتنة، فكان الاستئذان عند الدخول خير سبيل للوقاية من الفاحشة، وهذا التوجيه من المولى جل جلاله والإرشاد شُرع تذكرة وموعظة دائمة للمؤمنين
(١) انظر: التفسير الكبير (٢٣/ ١٩٦)، روح المعاني (١٨/ ١٣٤). ') ">