له إلا في آخر سجدة، فعلم بهذا: أن لفظ ((ركعة)) في هذه الصورة مجازٌ مُرْسَلٌ، من إطلاق اسمِ الكلِّ على جزئه على التقديرين جميعًا، وإذا كانت مجازًا صدقَ إطلاقُها على مَن أدركه مُنْحنيًا بِقَدرٍ لا يتَّسع معه لغير الافتتاح والانضمام إليه، وهي فائدة تقييد الحديث بِقَبْلِيَّة إقامةِ الصُّلب، ولم يأتِ إلا لإدخال هذه الصُّورةِ، ولو فُرِض أنَّه -صلى الله عليه وسلم- ما أراد إلا من أدرك وقرأ الفاتحةَ لفاتتْ فائدةُ التَّقْييدِ بها. بيانه: أنَّه من أدرك راكعًا فافتتح وقرأ الفاتحة لم يتمَّها إلا وقد أقام صُلبه؛ إذِ الفاتحة - لا ريبَ - أطولُ من التسبيح المشروع، كيف وأقلُّه الثلاثُ كما قدَّره صلى الله عليه وسلم؟ وقد أرشد الأمة إلى التخفيف، فتضيع فائدة القيد إلا في صلاة يطول فيها، وهي أندر النادر، وكلامُهُ -صلى الله عليه وسلم- محمولٌ على غالب الأحوال؛ لأنَّ التشريع دائرٌ على الأغلب، بل لو أُريدَ: مع القراءة؛ لكان الأَولى: قبلَ أنْ يحني صُلْبَهُ. وإذا كانت مجازًا في هذا الحديث تعيَّن أن تكون مجازًا في حديث الشيخين أيضًا؛ لأنَّ الحديثين سِيقَا بمعنًى واحدٍ وإفادةِ حكم معيَّن، ويدلُّ لهذا: حديثُ البخاريِّ عن أبي بكرة رضي الله عنه أنَّه دخل المسجد ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- راكعٌ فركعَ ثم دخل الصفَّ فأخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم- ووقعت معتدًّا بها، إلا أنه قال الحافظ ابنُ حَجَرٍ: قوله ((ووقعت معتدّا بها)) قاله الرَّافعيُّ تَفَقُّهًا.