العباد وأحوالهم؛ فلم يقع التكليف بما لا يطاق، ولا بما مشقته غالبة لا تحتملها نفوس عامة المكلفين كما حصل في الشرائع السابقة؛ ولو تأملنا في الآية المقررة ليسر الشريعة؛ وهي قوله سبحانه:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} لوجدنا أنها جاءت بعد تكليف الصيام، وهو حبس للنفس عن مشتهياتها زمنًا معينًا؛ ثم رخص للمريض والمسافر في الفطر إلى بدل. ومن المتقرر أن حبس النفس عن مشتهياتها نوع تكليف يتضمن مشقة؛ لكنها في مقدور عامة المكلفين.
بل إن من أنعم النظر في قوله عز شأنه:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
يتبين له أن الحكم الشرعي يتضمن اليسر مع اشتماله على التكليف؛ فقد جاء نفي الحرج والمشقة بعد التكليف بفريضة الجهاد وهي من أعظم أنواع التكاليف وأشقها؛ بل جاء في وصف هذا التكليف خاصة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.