للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا - يعني بيع العينة. حديث ابن عمر الذي فيه تغليظ العينة، وقد فسرت في الحديث المرسل بأنها من الربا، وفي حديث أنس وابن عباس بأنها بيع حريرة، مثلا بمائة إلى أجل ثم يبتاعها بدون ذلك نقدا، وقالوا: هو دراهم بدراهم وبينهما حريرة، وحديث أنس وابن عباس أيضا: هذا ما حرم الله ورسوله، والحديث المرسل الذي له ما يوافقه أو الذي عمل به السلف حجة باتفاق الفقهاء، وحديث عائشة: أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب يعني لما تعاطى بيع العينة، ومعلوم أن هذا قطع بالتحريم وتغليظ له، ولولا أن عند أم المؤمنين علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستريب فيه أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد لا سيما إن كانت قصدت أن العمل يبطل بالردة.

واستحلال مثل هذا كفر؛ لأنه من الربا واستحلال الربا كفر، لكن عذر زيد أنه لم يعلم أن هذا محرم، ولهذا أمرت بإبلاغه، فمن بلغه التحريم وتبين له ذلك ثم أصر عليه لزمه هذا الحكم، وإن لم تكن قصدت هذا فإنها قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد فيصير بمنزلة من عمل حسنة وسيئة بقدرها فما كأنه عمل شيئا. اهـ.

٣ - التورق - وهو أن يحتاج إلى نقد فلم يجد من يقرضه فيشتري سلعة ليبيعها من غير بائعها الأول، ويأخذ ثمنها ليدفع به حاجته فليس به حاجة إلى نفس السلعة وإنما حاجته إلى ثمنها، فيأخذ مثلا ما قيمته مائة بمائة وعشرين مؤجلا ليبيعها ويرتفق بثمنها، والفرق بينها وبين العينة أن يبيعها من غير من اشتراها منه، وسميت هذه المسألة بمسألة التورق؛ لأن المقصود منها الورق.

وقد اختلف العلماء في حكمها على قولين: قول بالجواز؛ لأنها لم تعد إلى البائع بحال بل باعها المشتري لآخر، فلا تدخل في مسألة العينة، وهو قول إياس بن معاوية ورواية عن الإمام أحمد.

والقول الثاني: كراهة مسألة التورق، وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد وقول عمر بن عبد العزيز، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (١)، فعلى هذا القول تعتبر من وسائل الربا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن الله حرم أخذ دراهم بدراهم


(١) مجموع الفتاوى ص ٤٣٤ ج ٢٩، وتهذيب السنن ص ١٠٨ ج ٥.