للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكثر منها إلى أجل لما في ذلك من ضرر المحتاج وأكل ماله بالباطل، وهذا المعنى موجود في هذه الصورة، وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، وإنما الذي أباحه الله البيع والتجارة وهو أن يكون المشتري غرضه أن يتجر فيها، فأما إذا كان قصده مجرد الدراهم بدراهم أكثر منها فهذا لا خير فيه.

وقال في الاختيارات (١): وتحرم مسألة التورق وهو رواية عن أحمد، وقال العلامة ابن القيم: تهذيب سنن أبي داود ص١٠٨ ج ٥. وعلل الكراهة بأنه بيع مضطر، وقد روى أبو داود عن علي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضطر (٢)»، وفي المسند عن علي قال: سيأتي على الناس زمان يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك، قال تعالى: {وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (٣)، ويبايع المضطرون وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر وذكر الحديث، فأحمد - رحمه الله تعالى - أشار إلى أن العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نقد؛ لأن الموسر يضن عليه بالقرض، فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة ثم يبيعها، فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة، وإن باعها من غيره فهي التورق، ومقصوده في الموضعين الثمن، فقد حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منه، ولا معنى للربا إلا هذا، لكنه ربا بسلم لم يحصل له مقصوده إلا بمشقة، ولو لم يقصده كان ربا بسهولة. اهـ.

والذي يظهر لي جواز مسألة التورق إذا حصلت من غير تواطؤ مع طرف ثالث وهو المشتري الأخير؛ لأنها حينئذ تفترق عن العينة، وكذلك لا بد أن تكون السلعة موجودة في ملك البائع الأول حين العقد، والله أعلم.

٤ - النهي عن بيع كل رطب من حب وتمر بيابسه، عن سعد بن أبي وقاص قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب فقال لمن حوله: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم فنهى عن ذلك (٤)»، قال الشوكاني: (٥) قوله: (أينقص) الاستفهام هاهنا ليس المراد به حقيقته - أعني طلب الفهم - لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بأنه ينقص إذا يبس بل المراد تنبيه السامع بأن هذا الوصف الذي وقع عنه الاستفهام هو علة النهي، ومن المشعرات


(١) ص١٢٩.
(٢) سنن أبو داود البيوع (٣٣٨٢)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١١٦).
(٣) سورة البقرة الآية ٢٣٧
(٤) رواه الخمسة وصححه الترمذي / المنتقى مع شرحه نيل الأوطار ص ٢١١ ج ٥.
(٥) نفس المصدر.