وظنهم أن عبادة غيره سبحانه من القيام بحقه عليهم فقالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}.
بالنظر إلى هذا وهو اعتقادهم أن العبادة تكون لآلهة متعددة لا لإله واحد فإن القصر في الآية:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} قصر قلب، أي إلا ليعبدوني وحدي لا ليشركوا معي غيري في العبادة، فهو إبطال للشرك ورد له.
وينبغي التنبيه إلى أن كل علة يعلل بها خلق الخلق غير هذه العلة المذكورة في هذه الآية {إِلا لِيَعْبُدُونِ} فإن مصير أمرها وغايته ومؤداه إلى هذه العلة في هذه الآية لا غير، فجميع العلل مرتبة على هذه العلة، وعلى سبيل المثال فإن العلل المذكورة آنفا عند ذكر اختلاف الخلق، وخلقهم شعوبًا وقبائل، وخلق عيسى عليه السلام، تعود بالتدبر إلى العلة ذاتها {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}، فإن الله خلق الخلق؛ ليختلفوا، فيظهر حقه عليهم في أن يعبدوه في هداية العابدين، وإظهارهم، وإثابتهم، وضلال المخالفين، وكبتهم ومعاقبتهم، فإن الشيء يعرف بضده، وتمت كلمته ليملأن جهنم ليتقرر وجوب أمره أن يعبدوه، وإلا لما عذب من خالفه.