للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسمعت من بعضهم قولهم (الرضا شريعة المتعاقدين) وهذه الكلمة بهذه الصفة لا تبقي من الإسلام وأمور الحلال والحرام ولا تذر، والله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه وشرع أحكامه وبين حلاله وحرامه ليقوم الناس بالقسط، أي بالعدل، فقال سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (١) فالكتاب هو الهادي إلى الصواب، والميزان هو العادل يبين الهدى من الضلال-إن قولهم (الرضا شريعة المتعاقدين) هي حملة على القرآن والسنة وأحكام الشريعة الإسلامية، ومثله قولهم (العقد شريعة المتعاقدين) فليس كل عقد يسوغ بأن يكون شريعة للناس، فإن العقد منه الحق ومنه الباطل- والحق أن شريعة المتعاقدين هو حكم الله ورسوله لقوله سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (٢).

ومثله قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا (٣)»، ومثله «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا (٤)»، وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحلال بين، والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس (٥)» الحديث، لكن القليل من الناس هم الراسخون في العلم والفهم يعرفون هذه المتشابهات فيلحقون الحلال بالحلال والحرام بالحرام بمقتضى الدلائل والأحكام، والمسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا.

ثم إن الأصل في العقود (الإباحة) حتى يقوم دليل التحريم، وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الأصل في العقود والشروط الحظر إلى أن يقوم دليل الإباحة، وهذا هو مذهب الظاهرية وعليه تدل نصوص الإمام الشافعي وأصوله.

وذهب الإمام مالك إلى أن الأصل في العقود الإباحة إلا ما دل على تحريمه، وعليه تدل نصوص الإمام أحمد وأصوله، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن الأصل في العقود الصحة والجواز ولا يحرم


(١) سورة الحديد الآية ٢٥
(٢) سورة النساء الآية ٥٩
(٣) سنن أبو داود الأقضية (٣٥٩٤).
(٤) سنن الترمذي الأحكام (١٣٥٢)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣٥٣).
(٥) صحيح البخاري الإيمان (٥٢)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٩)، سنن الترمذي البيوع (١٢٠٥)، سنن النسائي البيوع (٤٤٥٣)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٢٩)، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٨٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٧٠)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٣١).