والفساد في الأرض، ولا ترى لهذه السياسة قدمًا راسخة، ولا وجهًا واضحًا، وإنما هي أمور تدور على مصالح أقوام، فقد يغتر بها الإنسان يومًا، وتضع حلولاً ونقاطًا على الحروف، ولكن غدًا يتبين له أن ما رأى وخطط كان خلاف الواقع، لأن هذه السياسات لا تعتمد على الصدق في أخبارها، وإنما تعتمد على التضليل، وإلهاء الناس، وإضاعة أفكارهم، وخلق البلبلة والشقاق بينهم فيتذبذبون لا يدرون كيف يتصورون الأشياء، ولا كيف يحكمون عليها، ولهذا فإن تلك المكائد والمخادعات لا يستطيع التحدث عنها، ولا معرفة واقعها، وإدراك آثارها وأضرارها ودورها إلا أناس تخصصوا وهيئوا لهذه المهمة فهم الذين إذا تحدثوا، تحدثوا عن علم، وإن سكتوا، سكتوا عن علم، أما قاصر النظر، ومن عهدته ما أذيع ونشر فتلك أدلة غير قطعية، والله سبحانه قال في كتابه العزيز لليهود:{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، فهم يسعون دائمًا في الفساد؛ لكن صور هذا الفساد لا تراها في عام مثلما تراها في العام الماضي، فلها في العام وجه، ولها في العام الآخر وجه آخر على حسب المناخ الذي يناسبهم؛ ليكون مهيأ لنشر فجورهم، وفسادهم، وضلالهم، لهذا كان على المسلم التوقف في الحكم على كثير من الأشياء إذ الحكم على شيء فرع عن تصوره، والتصور قد لا يكون تامًا، وقد يكون غير واقع، ولهذا قال