للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما قلّ وجوده في دعاة الديانات الجديدة؛ أن النظم والأديان ليست مما يُفرض قسرا، فعاملوا - كما رأينا - أهل سوريا ومصر وإسبانيا، وكل قُطر استولوا عليه بلطف عظيم، تاركين لهم قوانينهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم غير جزية زهيدة في الغالب إذا ما قيست بما كانوا يدفعونه سابقا، في مقابل حفظ الأمن بينهم.

فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا دينا مثل دينهم، وما جهل المؤرخون من حكم العرب الفاتحين كان من الأسباب السريعة في اتساع فتوحهم، وفي سهولة اعتناق كثير من الأمم لدينهم ونظمهم ولغتهم، التي رسخت وقاومت جميع الغارات وبقيت قائمة حتى بعد أن توارى سلطان العرب عن العالم (١)

ويؤكد " توماس آرنولد " هذا المبدأ بكلام صريح وحوادث واضحة: (ومن هذه الأمثلة التي قدمناها آنفا عن ذلك التسامح الذي بسطه المسلمون الظافرون إلى العرب المسيحيين في القرن الأول من الهجرة، واستمر في الأجيال المتعاقبة؛ نستطيع أن تستخلص بحق أن هذه القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حرة، وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا


(١) حضارة العرب، جوستاف لوبون، ص٦٠٥. ') ">