للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن كسرى وقيصر [ملكي الفرس والروم] فيما هما فيه، وأنت رسول الله! فقال: " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة» (١)

وقد جرى فقهاء المسلمين القدماء على تأصيل هذه المبادئ وتطبيقها منذ وقت مبكر في تاريخ الإسلام. يقول الإمام محمد بن الحسن الشيباني: (ولو أن قومًا من أهل الحرب، بلغهم الإسلام ولم يدروا كيف هو، فغزاهم المسلمون فدَعَوا إلى أن يُسلموا، فأبى الأمير الذي على المسلمين أن يجيبهم إلى ذلك حتى قاتلهم وظهر عليهم، فإنه ينبغي أن يعرض عليهم الإسلام، فإذا أسلموا خلى سبيلهم، وسلم لهم أموالهم وذراريهم وأراضيهم؛ لأن القتال شرع لأجل الإسلام، على ما قال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» (٢)، وهؤلاء لما سألوا الإسلام فقد رغبوا فيه، فكان يجب على الإمام أن يصف لهم الإسلام قبل المقاتلة حتى يسلموا، فإذا قاتلهم ولم يصف لهم الإسلام، فقد أخطأ فيه، فعليه أن يرجع عن خطئه فيعرض عليهم الإسلام بعد الظهور عليهم، فإن أسلموا صاروا كأنهم أسلموا قبل الظهور عليهم فبقوا أحرارًا كما كانوا، وإن أبوا أن يسلموا جُعلوا ذمة) (٣)

وينقل الشوكاني أقول العلماء في حكم الدعوة قبل القتال


(١) صحيح البخاري (٤٦٢٩).
(٢) صحيح البخاري الزكاة (١٤٠٠)، صحيح مسلم الإيمان (٢٠)، سنن الترمذي الإيمان (٢٦٠٧)، سنن النسائي الجهاد (٣٠٩٢)، سنن أبو داود الزكاة (١٥٥٦)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٩).
(٣) شرح السير الكبير، السرخسي ٥/ ٢٢٢٧. ') ">