١٤ - والثاني: بقية القائلين بامتناع التعبد به عقلا، وقد قالوا: بامتناع ذلك في جميع الشرائع ثم انقسموا إلى فرق ثلاث - من حيث دلالته:
١٥ - الأولى: قالت بامتناع أن يكون القياس طريقا إلى العلم أو الظن.
١٦ - الثانية: قالت بأنه يفيد الظن، ولكن لا تجوز متابعته لتردده بين الخطأ والصواب.
١٧ - والثالثة: قالت بإفادته الظن - وجواز متابعة الظن، ولكن حيث يتعذر الحصول على نص فقط، كما في قيم المتلفات وأروش الجنايات والفتوى والشهادات، لأنه لا نهاية لتلك الصور: فكان التنصيص على حكم كل صورة منها متعذرا.
أما في غيرها - فإنه يمكن التنصيص عليها: فكان الاكتفاء بالقياس اقتصارا على أدنى البابين مع القدرة على أعلاهما. وهو غير جائز.
أما الأدلة ومناقشاتها فلا نود الإطالة بالتعرض إليها فهي طويلة (١) ويمكن الرجوع إليها في مواضعها من الكتب الأصولية التي ذكرناها.
فالذي يهمنا الآن - هو معرفة حقيقة موقف الحنابلة من حجية القياس.
قال المجد ابن تيمية:(اتباع القياس وجب بالشرع عند القائلين به، وهل يجب بالعقل؟) قال أبو الخطاب: (ثبت بالعقل أيضا وبالنقل) وفي موضع آخر قال: (القياس الشرعي كالقول في القياس العقلي، وحصول الاعتقاد به لا يتوقف على ما يدل من جهة الشرع على صحة القياس وأما وجوب النظر فيه، أو الاعتقاد به فبالشرع).
ثم نقل عن القاضي أبي يعلى ما قاله في كتاب (القولين): القياس الشرعي قد نص أحمد في مواضع على أنه حجة تعلق الأحكام عليه، فقال في رواية محمد بن الحكم:(لايستغني أحد عن القياس، وعلى الإمام والحاكم -يرد عليه الأمر- أن يجمع له الناس ويقيس) وكذلك نقل الحسين بن حسان: (القياس هو: أن يقيس على أصل إذا كان مثله في كل أحواله). وكذلك نقل أحمد بن القاسم: (لا يجوز بيع الحديد
(١) راجعها في نحو المحصول للفخر الرازي: (٢ / ق٢/ ٣١ - ١٦٣).