والإيمان: الذي هو عمل وجداني، منبعث من الأحاسيس، وتوثّق ركيزته: عقيدة ثابتة محلّها القلب، وهو عامل دينيّ، يدفع النفس لأعمال أحبها الله وأمر بها، فترضى البيئة وأهلها، ولا يطلب حامل هذه العقيدة مردودًا من المجتمع وأفراده، وإنما ذلك جزاء من الله؛ لأنه امتثل أمره واهتمّ بأداء الأمانة، التي أوجبتها عليه عقيدة الإيمان، فتحمّلها بعلمه وعمله.
يقرّب ذلك واقع محسوس، برز في قول مندوب ملك الروم، عندما جاء إلى المدينة المنورة، فكان يبحث عن قائد المسلمين، الخليفة الراشد: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في أمر هام جاء من أجله، فوجده نائمًا في المسجد، بدون حراسة ولا قوات تحافظ عليه، إلا حفظ الله له، وقد توسّد كومة من التراب، وأثرّت في وجهه.
فقال له: لقد حكمت فعدلت، فأمنت ونمت يا عمر، وهذا من حرصه رضي الله عنه الشديد على أداء الأمانة، التي تحملها، وما ذلك إلاّ لأن إيمان عمر قويّ، وأدرك عن ثقل الأمانة مما ذكره الله في آخر سورة الأحزاب:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا}، ومن حثّ رسوله صلى الله عليه وسلم عليها، فكان من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ويطبقون.