قال عروة: دخلت أنا وأخي - قبل أن يقتل - على أمنا بعشر ليال، وهي وجعة، فقال عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت: وجعة. قال: إن في الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهي موتي، فلا تفعل، وضحكت، وقالت: والله، ما أشتهي أن أموت، حتى تأتي على أحد طرفيك: إما أن تقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقر عيني. إياك أن تعرض على خطة فلا توافق، فتقبلها كراهية الموت.
قال: وإنما عنى أخي أن يقتل فيحزنها ذلك.
وكانت بنت مائة سنة.
ابن عيينة: حدثنا أبو المحياة، عن أمه، قال: لما قتل الحجاج ابن الزبير، دخل على أسماء وقال لها: يا أمه، إن أمير المؤمنين وصاني بك، فهل لك من حاجة؟ قالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن أحدثك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في ثقيف كذاب، ومبير فأما الكذاب فقد رأيناه - تعني المختار - وأما المبير فأنت.
فقال لها: مبير المنافقين.
أحمد بن يونس: حدثنا أبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي، عن أبيه، قال: دخلت مكة بعد قتل ابن الزبير بثلاث - وهو مصلوب - فجاءت أمه عجوز طويلة عمياء، فقالت للحجاج: أما آن للراكب أن ينزل؟ فقال: المنافق؟ قالت: والله ما كان منافقا، كان صواما قواما برا. قال: انصرفي يا عجوز، فقد خرفت. قالت: لا - والله - ما خرفت منذ سمعت رسول الله يقول: في ثقيف كذاب ومبير. . . الحديث.
ابن عيينة، عن منصور بن صفية، عن أمه، قالت: قيل لابن عمر: إن أسماء في ناحية المسجد - وذلك حين صلب ابن الزبير - فمال إليها، فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله، فاتقي الله واصبري.
فقالت: وما يمنعني، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.