قال ابن الحداد: ودخلت يوما على أبي العباس، فأجلسني معه في مكانه وهو يقول لرجل: أليس المتعلم محتاجا إلى المعلم أبدا؟ فعرفت أنه يريد الطعن على الصديق في سؤاله عن فرض الجدة فبدرت وقلت: المتعلم قد يكون أعلم من المعلم وأفقه وأفضل لقوله -عليه السلام-: رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. . ثم معلم الصغار القرآن يكبر أحدهم ثم يصير أعلم من المعلم.
قال: فاذكر من عام القرآن وخاصه شيئا؟ قلت: قال تعالى: ولا تنكحوا المشركات فاحتمل المراد بها العام، فقال تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فعلمنا أن مراده بالآية الأولى خاص، أراد: ولا تنكحوا المشركات غير الكتابيات من قبلكم حتى يؤمن، قال: ومن هن المحصنات؟ قلت: العفائف، قال: بل المتزوجات.
قلت: الإحصان في اللغة: الإحراز، فمن أحرز شيئا فقد أحصنه، والعتق يحصن المملوك ; لأنه يحرزه عن أن يجري عليه ما على المماليك، والتزويج يحصن الفرج ; لأنه أحرزه عن أن يكون مباحا، والعفاف إحصان للفرج.
قال: ما عندي الإحصان إلا التزويج. قلت له: منزل القرآن يأبى ذلك، قال: ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها أي أعفته. وقال: محصنات غير مسافحات عفائف، قال: فقد قال في الإماء: فإذا أحصن وهن عندك قد يكن عفائف.
قلت: سماهن بمتقدم إحصانهن قبل زناهن، قال تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم وقد انقطعت العصمة بالموت، يريد اللاتي كن أزواجكم، قال: يا شيخ، أنت تلوذ. قلت: لست ألوذ ; أنا المجيب لك، وأنت الذي تلوذ بمسألة أخرى، وصحت: ألا أحد يكتب ما أقول وتقول. قال: فوقى الله شره. وقال: كأنك تقول: أنا أعلم الناس.