قال الحاكم: سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: لما وقع من أمرنا ما وقع، وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم، واغتنم أبو القاسم، وأبو بكر بن علي، والبردعي السعي في فساد الحال، انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة، وقرر لأبي بكر بن خزيمة اعترافنا له بالتقدم، وبين له غرض المخالفين في فساد الحال، إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده، فدخلت أنا، وأبو علي، وأبو بكر بن أبي عثمان، فقال له أبو علي الثقفي: ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟ قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره.
حتى طال الخطاب بينه وبين أبي علي في هذا الباب، فقلت: قد جمعت أنا أصول مذاهبنا في طبق، فأخرجت إليه الطبق، فأخذه وما زال يتأمله وينظر فيه، ثم قال: لست أرى هاهنا شيئا لا أقول به. فسألته أن يكتب عليه خطه أن ذلك مذهبه، فكتب آخر تلك الأحرف، فقلت لأبي عمرو الحيري: احتفظ أنت بهذا الخط حتى ينقطع الكلام، ولا يتهم واحد منا بالزيادة فيه. ثم تفرقنا، فما كان بأسرع من أن قصده أبو فلان وفلان وقالا: إن الأستاذ لم يتأمل ما كتب في ذلك الخط، وقد غدروا بك وغيروا صورة الحال.