وسمعت الحافظ أبا عبد الله اليونيني يقول: أما ما علمته من أحوال شيخنا وسيدنا موفق الدين، فإنني إلى الآن ما أعتقد أن شخصا ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي يحصل بها الكمال سواه ; فإنه كان كاملا في صورته ومعناه من حيث الحسن والإحسان والحلم والسؤدد والعلوم المختلفة والأخلاق الجميلة، رأيت منه ما يعجز عنه كبار الأولياء، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما أنعم الله على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره فقلت بهذا: إن إلهام الذكر أفضل من الكرامات، وأفضل الذكر ما يتعدى إلى العباد، وهو تعليم العلم والسنة، وأعظم من ذلك وأحسن ما كان جبلة وطبعا ; كالحلم والكرم والعقل والحياء، وكان الله قد جبله على خلق شريف، وأفرغ عليه المكارم إفراغا، وأسبغ عليه النعم، ولطف به في كل حال.
قال الضياء: كان الموفق لا يناظر أحدا إلا وهو يتبسم.
قلت: بل أكثر من عاينا لا يناظر أحدا إلا وينسم.
وقيل: إن الموفق ناظر ابن فضلان الشافعي الذي كان يضرب به المثل في المناظرة فقطعه.
وبقي الموفق يجلس زمانا بعد الجمعة للمناظرة، ويجتمع إليه الفقهاء، وكان يشغل إلى ارتفاع النهار، ومن بعد الظهر إلى المغرب، ولا يضجر، ويسمعون عليه، وكان يقرئ في النحو، وكان لا يكاد يراه أحد إلا أحبه. إلى أن قال الضياء: وما علمت أنه أوجع قلب طالب، وكانت له جارية تؤذيه بخلقها فما يقول لها شيئا، وأولاده يتضاربون وهو لا يتكلم. وسمعت البهاء يقول: ما رأيت أكثر احتمالا منه.