يوسف بن بهلول الحافظ: حدثنا جابر بن نوح، حدثني مجالد عن الشعبي، قال: لما قدم الحجاج سألني عن أشياء من العلم فوجدني بها عارفا، فجعلني عريفا على قومي الشعبيين ومنكبا على جميع همدان وفرض لي، فلم أزل عنده بأحسن منزلة، حتى كان شأن عبد الرحمن بن الأشعث، فأتاني قراء أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا عمرو، إنك زعيم القراء، فلم يزالوا حتى خرجت معهم، فقمت بين الصفين أذكر الحجاج وأعيبه بأشياء، فبلغني أنه قال: ألا تعجبون من هذا الخبيث! أما لئن أمكنني الله منه، لأجعلن الدنيا عليه أضيق من مسك جمل. قال: فما لبثنا أن هزمنا، فجئت إلى بيتي، وأغلقت علي، فمكثت تسعة أشهر، فندب الناس لخراسان، فقام قتيبة بن مسلم، فقال: أنا لها، فعقد له على خراسان، فنادى مناديه: من لحق بعسكر قتيبة فهو آمن. فاشترى مولى لي حمارا، وزودني، ثم خرجت، فكنت في العسكر، فلم أزل معه حتى أتينا فرغانة فجلس ذات يوم وقد برق فنظرت إليه فقلت: أيها الأمير، عندي علم ما تريد. فقال: ومن أنت؟ قلت: أعيذك ألا تسأل عن ذاك، فعرف أني ممن يخفي نفسه، فدعا بكتاب فقال: اكتب نسخة. قلت: لا تحتاج إلى ذلك، فجعلت أمل عليه وهو ينظر حتى فرغ من كتاب الفتح.
قال: فحملني على بغلة وأرسل إلي بسرق من حرير، وكنت عنده في أحسن منزلة، فإني ليلة أتعشى معه، إذا أنا برسول الحجاج بكتاب فيه: إذا نظرت في كتابي هذا، فإن صاحب كتابك عامر الشعبي، فإن فاتك، قطعت يدك على رجلك وعزلتك.
قال: فالتفت إلي، وقال: ما عرفتك قبل الساعة، فاذهب حيث شئت من الأرض، فوالله لأحلفن له بكل يمين. فقلت: أيها الأمير إن مثلي لا يخفى. فقال: أنت أعلم. قال: فبعثني إليه وقال: إذا وصلتم إلى خضراء واسط فقيدوه، ثم أدخلوه على الحجاج.